في أحد أزقة دمشق القديمة، كانت حرارة الصيف تثقل الأحياء المتهالكة، وتترك ذكريات الحرب معلقة على الجدران. بين المباني القديمة، كان هناك باب خشبي قديم، قد يبدو عادياً لعيون المارة ، لكنه يخفي حياة مليئة بالأسرار والآلام.
وراء هذا الباب، تعيش سلمى، امرأة في أوائل الثلاثينيات، عينيها تحملان ثقل الأيام، وصمتها يعكس كل ما لم يُقال في حياتها. كانت سلمى تمشي يومياً في الشارع، تبتسم للجيران والأطفال، وتظهر للعالم وجها طبيعيا، بينما عقلها يسبح في بحر من الذكريات والخيبات.
الباب المغلق
سلمى دخلت غرفتها خلف الباب الخشبي القديم، طرقت الجدران بصمتها الطويل. الغرفة كانت مليئة بالكتب القديمة، دفاتر لم تُفتح منذ سنوات، ورسائل لم تُرسل. هنا كانت حياتها الحقيقية، بعيدًا عن أعين المجتمع والحي.
جلست على الطاولة، وفتحت دفترها الصغير، كأنها تفتح نافذة على عالم آخر: عالم رغباتها المكبوتة، أحلامها المؤجلة، وأسئلتها عن الحياة والحب والحرية.
كانت تكتب بحبر أسود، كلماتها تعكس صراعاتها النفسية: ذكريات الحرب، فقدان الأهل، والأصدقاء، والأمل الذي لم يمت رغم كل شيء.
في الداخل، كان صمت الغرفة يضخم كل شعور، وكل ضوء من الشارع يترك ظلًا على الحائط، كأنه يراقب ما لا يُرى.
كل يوم يحمل معها ذكريات مؤلمة: فقدان الأهل، أصدقاء الطفولة، والمقابر الخاوية التي تركتها الحرب.
رغم ذلك، تحاول سلمى أن تظهر صمودا على السطح.
الداخل يغلي بالصمت والغضب والحزن المكبوت، لكنها لا تستطيع مشاركته مع أحد.
أحيانا تتوقف عند نافذة غرفتها، تنظر إلى الشارع، وتحاول أن تتخيل حياة الناس من حولها. كل نظرة تحمل فضولا: ما الذي يحدث حقا خلف أبوابهم؟ ماذا يخفون هم أيضا؟
في أحد الأيام، رأت امرأة مسنّة تتحدث بصوت منخفض مع نفسها، وتبتسم فجأة ثم تبكي في صمت. الفضول تسلل إلى قلب سلمى: كيف يمكن لشخص أن يعيش مع الألم بصمت كهذا؟
في أحد الأيام، أثناء عودتها من السوق، لمحت رجلا يقف عند زاوية الحي، لم تره من قبل، لكنه بدا وكأنه يعرف شيئا عنها.
نظراته تحمل أسئلة لم تُطرح من قبل، وابتسامته وعد بفهم ما كان مخفيا.
مع مرور الأيام، بدأ يظهر في أوقات غير متوقعة، يسأل عن دفترها ورسائلها القديمة، وعن حياتها التي لم تُكشف لأحد.
سلمى شعرت بمزيج من الفضول والخوف. كانت تدري أن وراء كل سؤال يكمن اكتشاف جديد عن نفسها وعن مجتمعها.
ذات مساء، دعته لاحتساء الشاي في غرفتها، وهو قبِل دون أي تردد. بدأ الحديث عن الحي، الجيران، والأحداث اليومية، لكن بطريقة غير مباشرة، كأن كل جملة تحمل سرا خفيا.
الرجل الغريب دفع سلمى للكشف عن بعض أسرارها:
الحب المفقود، الصدمات العاطفية، والصراعات اليومية التي عاشتها بصمت.
تدريجيا، أدركت أن حياتها ليست استثناء، بل مرآة لمئات القصص المخفية في كل شارع وكل بيت.
الحوارات مع الرجل الغامض أظهرت لها جوانب من الحي لم تكن تلاحظها:
جيران يبدون طبيعيين، لكن خلف أبوابهم صراعات ومآسي مخفية.
الأطفال يشهدون مواقف لا يفهمونها، لكن تشكل خيالهم وسلوكهم.
في إحدى الليالي، اكتشفت سلمى دفترا قديمًا يعود لجارتها الراحلة، مليء بالمذكرات والرسائل المخفية. كل صفحة كانت تكشف عن حياة غريبة، وألم لم يُرَ، وأحداث غامضة تكاد تصدم العقل.
الغموض المكشوف جزئياً
سلمى بدأت تتقبل أن هناك حياة أكبر من حياتها، مليئة بالغموض والقصص غير المعلنة.
كل سر، كل رسالة، كل دفتر، أصبح جزءاً من سلسلة من الفضول لا تنتهي.
لكن في الداخل، كان السؤال الأكبر لا يزال قائمًا:
هل ستجد الحرية؟
هل ستواجه ماضيها بكل ألمه؟
أم سيبقى الباب المغلق حاجزاً بين الحقيقة والعالم الخارجي؟
في صباح آخر، جلست سلمى عند نافذتها تطل على الحي، والدفتر مفتوح أمامها. رأت الأطفال يلعبون في الشارع، الجيران يفتحون أبوابهم، وكل شيء يبدو طبيعيًا، لكن قلبها كان يعرف: ما وراء هذا السطح هناك عالم لا يُرى.
سلمى بدأت تتجول في الحي بوعي أكبر، تلاحظ تفاصيل كانت غائبة عنها:
الأزقة الضيقة: مليئة بالعبارات الغامضة على الجدران، بقايا رسائل قديمة من زمن الحرب، وألوان متلاطمة تحكي صمت الناس وآمالهم.
المخابئ الصغيرة: تحت السلالم والأبواب، تجد أشياء تُخبرها عن حياة الناس: كتب قديمة، لعب أطفال، أدوات مكسورة. كل شيء يحمل قصة غير مرئية.
الأسواق الشعبية: كل بائع يبتسم، لكنه يخفي قصص الفقدان والمعاناة. سلمى تشعر بالفضول لمعرفة ما وراء كل ابتسامة، كل تحية، كل حركة صغيرة.
سلمى بدأت تكتب حواراتها مع نفسها في دفترها:
"لماذا أرى كل شيء بوضوح، ولا يراني أحد؟"
"هل أنا الوحيدة التي تحمل هذا الصمت الكبير؟"
"أين الحرية، وأين الأمل؟"
سلمى تواجه لحظة صعبة:
تتلقى رسالة غامضة دون اسم مرسلها، تدعوها لاكتشاف سر كبير عن الحي.
الفضول يسيطر عليها، لكنها تخاف من مواجهة الحقيقة.
كل خطوة نحو الباب، كل صوت في الشارع، كل ظل على الجدران، يرفع من التوتر داخلها.
سلمى شعرت برغبة قوية في أن تخرج، أن تكشف الأسرار التي حملتها سنوات، أن تواجه الغموض بكل شجاعة. لكنها توقفت، تنظر إلى الباب، إلى الظل، إلى كل ما لا يُرى.
لا تنسى أن تترك لنا تعليقاً بعد قراءتك للمقال!