هناك سؤال عادة ما يتكرر في داخل كل منا وهو ماذا أريد فعلاً من هذه الحياة؟ أو ما هدفي الحقيقي من وجودي في هذه الحياة؟ وفي أغلب الأحيان تكون الإجابة لغالبية البشر من أجل تحقيق السعادة، التي تكون على شكل تكوين أسرة ناجحة أو تحقيق ثروة كبيرة، أو الحصول على منصب أو شهادة علمية، ومن الممكن أن تكون على شكل إنجاز رياضي، كالحصول على جسم رشيق، أو بنية رياضية وأيضاً السفر إلى بقاع مختلفة من العالم، للأسف هذه الإجابات كلها تندرج تحت الإجابات المتوقعة إلى الحد التي تجعل منها بلا أية قيمة، فليس بمقدور أي إنسان أن يفعل كل ما سبق فوقت وجهد الإنسان لا يتسع لكل هذه الأهداف، لذلك يصل العديد منّا إلى اللا شيء، وهذا بدوره سبب كاف لخلق القلق والتوتر والغضب، وصولاً إلى الحياة التعيسة.
ـ هناك سؤال آخر يجعلنا نركز أكثر، وهو السؤال الذي لا ينتبه إليه الكثير من الناس وهو ما الآلام الذي ترغب بوجودها في حياتك؟ ما هو الشيء الذي تظن بأنك مستعد لتحمل المعاناة من أجله؟
الفكرة الأولى:
ـ إن الحياة بحد ذاتها هي نوع من أنواع المعاناة، فالأغنياء يعانون من ثرائهم، ويعاني الفقراء من فقرهم وقلة حيلتهم، ويعاني من يملك أسرة من كثرة المسؤوليات الواقعة على عاتقه، ويعاني الموظفون من وظائفهم، ويعاني العاطلون عن العمل من بطالتهم، فعند التفكير ملياً في هذا السؤال ستعرف تحديداً ماذا تريد من الحياة وأي معاناة تريد أن تكون في حياتك.
ـ في هذا الوقت من الضروري وجود دور فن اللا مبالاة، فعدم الإفراط في الاهتمام هو تحديداً ما سينقذ حياتك، وذلك لأنك ستقبل بحقيقة أن العالم مكان سيء وأن هذا الشيء لا بأس به لأن العالم كان كذلك على الدوام ومن المتوقع أن يبقى هكذا دوماً.
ـ من أجل فهم فن اللا مبالاة من الجديد بك فهم النقاط الثلاثة التالية:
أولاً:
إن عدم الاهتمام الزائد لا يعني عدم الاكتراث إطلاقاً، بل يعني أن تهتم على النحو الذي يريحك.
ثانياً:
من أجل أن تكون الصعاب خارج اهتماماتك سيكون من الجيد التركيز على الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة لك، وذلك عند الإجابة على سؤال الآلام والمعاناة، أما باقي الأشياء فعليك عدم الاكتراث لها.
ثالثاً:
ـ سواء أدركت هذا أم لم تدركه فإنك تختار على الدوام الأشياء التي تمنحها اهتمامك.
💡إن الحياة مليئة بمختلف أنواع المعاناة فعليك أن تختار المعاناة التي تريد أن تكافح من أجلها
الفكرة الثانية:
ـ في عام 1983 تم طرد عازف الجيتار ديف موستين من فرقته الموسيقية، وكانت الفرقة قد وقعت لتوها عقداً لألبوم موسيقي كان هذا الطرد قبل يومين فقط من بدء عمليات التسجيل وبدون سابق إنذار أيقظوه من النوم وأعطوه تذاكر عودته إلى مدينة لوس أنجلوس، وفي طريق العودة كان ديف مستقلاً حافلة العودة حزيناً على خسارته لكل شيء تعب عليه من أجل الحصول على العقد وبدء التسجيلات، ويعتري جوانحه مشاعر خيبة عظيمة بأنه قد خسر فرصة العمر
ـ بعد فترة من الزمن قرر ديف تجاوز مشاعر الإحباط وتشكيل فرقة موسيقية تكون بمقدورها التفوق على فرقته الأولى التي طرد منها لجعل زملائه الذين طردوه يشعرون بالندم على ما اقترفت أيديهم، ففكرة الانتقام لم تبرح تفكيره أبداً وبالفعل تمكن ديف من إنشاء فرقته الموسيقية، وبعد عامين تمكنت فرقته الجديدة من تسجيل الألبوم الأول لهم والذي دخل القائمة الذهبية وكانت فرقته الجديدة هي فرقة ميغا ديث صاحبة النجاح الأسطوري التي بلغت مبيعات ألبوماتها أكثر من 25مليون نسخة وتمكنت من عزف موسيقاها بمختلف أنحاء العالم، ولكن لسوء حظ ديف كانت فرقته التي طردته هي فرقة ميتاليكا التي كانت أحد أعظم فرق الروك على الإطلاق، والتي تمكنت من بيع أكثر من 180 مليون نسخة حول العالم، وفي أحد المقابلات أعرب ديف عن شعوره بالخزي والفشل رغم جميع الإنجازات التي تمكن من تحقيقها مع فرقته الجديدة وذلك لأنه لم يتمكن من التفوق على فرقته التي طردته، وتعتبر هذه القصة مثال حي على أهمية اختيار المعايير والقيم الصحيحة عند قياس مدى نجاحنا أو فشلنا، فديف كان يقيس مدى نجاحه أو فشله بمعيار تغلبه على فرقته التي طردته وبالتالي حكم على نفسه بالفشل الدائم، ومن هنا يتضح أن هناك معايير ومقاييس جيدة وأخرى سيئة.
ـ تعرف المقاييس الجيدة على أنها مؤسسة على الواقع وأنها بناءة اجتماعياً ومن الممكن ضبطها وقياسها، كالصدق والأمانة والدفاع عن النفس والآخرين والإحسان والتواضع، أما المقاييس السيئة فتعرف على أنها خيالية وهدامة اجتماعية ولا يمكن ضبطها وقياسها، كالهيمنة واستخدام العنف ومحاولة إرضاء الجميع والثراء من أجل الثراء والرغبة باحتلال مركز الاهتمام على الدوام.
💡إذا كنت راغباً في تغيير نظرتك إلى مشكلاتك فمن الواجب عليك أن تغير ما تعتبره ذا قيمة كبيرة وتغيير القيم التي تفيس بها نجاحك أو فشلك.
الفكرة الثالثة:
ـ كان ويليام جيمس ينحدر من عائلة ثرية، حيث كان والده أحد أبرز رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ويليام كان يعاني منذ ولادته من مشكلات صحية عديدة، وكانت هده المشكلات الصحية تهدد حياته على الدوام فكان قد أصيب في طفولته بمرض في عينه جعله يصاب بالعمى لفترة مؤقتة، كما انه كان يصاب عادة بآلام مبرحة في معدته الأمر الذي جعله يتقيأ على الدوام، فضلاً عن إصابته بالعديد من المشكلات في السمع وآلام كبيرة في الظهر جعلته عاجزاً عن الجلوس أو الوقوف، ونظراً لوضع ويليام الصحي كان لا يغادر المنزل أبداً ويقضي وقته بالرسم وعندما كبر ويليام لم يقبل أحد بشراء أعماله التي رسمها، تدخل والده واستغل علاقاته الواسعة من أجل تأمين مقعد لابنه في كلية الطب بجامعة هارفرد إلا أن ويليام لم يكن مرتاحاً لهذا التخصص فمشكلاته المرضية الكثيرة كانت تعيق متابعته في هذا التخصص، فمالبث أن ترك الجامعة وقرر الذهاب مع مجموعة من علماء الأنثروبولوجي إلى غابات الأمازون ليتكرر فشله مجدداً بسبب عدم قدرة جسده على تحمل الأجواء القاسية هناك، ليعود مجدداً إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويصاب باكتآب شديد.
ـ جيمس خطط لإنهاء حياته وإيقاف هذه المعاناة، وفي أحد الأيام كان جيمس يستمع لأحد علماء الفلسفة وكانت فحوى المحاضرة أنه على الإنسان أن يكون مسؤول مئة في المئة عن كل حدث يحدث في حياته بصرف النظر عمن هو ملوم فيه، فقرر ويليام تبني هذه الفكرة فما كانت النتيجة إلا أن أصبح ويليام جيمس أب علم النفس الأمريكي، وتمت ترجمة أعماله إلى عشرات اللغات الأخرى غير الإنكليزية، فضلاً كونه أستاذاً جامعياً في هارفرد بتخصص علم النفس وأصبح يجوب العالم لإلقاء محاضراته، وأطلق على الفكرة التي تبناها اسم الولادة من جديد ونسب إليها الفضل في ما آلت إليه حاله، فعلى الإنسان أن يدرك ويعي أنه مسؤول على كل الأحداث التي تحدث له بصرف النظر على الظروف الخارجية المحيطة به فهو بالتأكيد غير قادر على التحكم بما يحدث وسيحدث له، ولكنه قادر على تفسيره فضلاً عن قدرته على التحكم بمدى استجابته لهذه الأحداث.
💡تحمل المسؤولية عن كل الأحداث التي تجدث في حياتك بصرف النظر عمن هو ملوم فيه.
الفكرة الرابعة:
ـ يعتبر الموت أحد الحقائق التي التي لا يمكن لأي شخص نكرانها فكل نفس ذائقة الموت، وبالرغم من كون هذه الحقيقة قاسية وغير مريحة لكثير من الأشخاص إلا أنها تكون سبباً في تحديد طريقة حياتنا والخيارات التي نتخذها، ولكي نشعر بدور الموت وتأثيره في حياتنا لنلقي نظرة على كتاب إنكار الموت للكاتب "إرسينت بيكر" الذي يعتبر من أكبر الأعمال الفكرية والأدبية أثراً في القرن العشرين، فالكاتب قام بتأليفه وهو على فراش الموت وذلك بعد إصابته بسرطان القولون، ويحوي هذا الكتاب على فكرتين أساسيتين وهما :
الفكرة الأولى :
ـ إن الإنسان هو كائن فريد من نوعه يختلف إختلافاً كلياً عن بقية الكائنات الحية في قدرته على التخيل والتصوف والتفكير، فالإنسان قادر على تصور نفسه في حالات افتراضية سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وبالتالي فإنه يدرك حتمية موته في لحظة ما، وهذا الأمر ما يولد له رعب الموت، وهو قلق وجودي يسيطر على كل ما نفكر به وكل ما نفعله وهو الأمر الذي يقودنا إلى الفكرة الثانية.
الفكرة الثانية:
ـ إن معرفة حقيقة أننا سنفنى في يوم من الأيام يجعلنا نفكر بترك بصمة وأثر بعد فناء أجسادنا، وهذا الأمر أسماه ب مشروع الخلود فهو المشروع الوحيد الذي يمكنه أن نخلد أثرنا به في التاريخ، ومن هذا المنطلق قام العديد من الشخصيات بتخليد أسمائهم على الأبنية والمنشآت أو نحت تماثيل ورسومات لهم أو حتى تأليف الكتب، ومن هنا يمكننا القول أن الحضارة البشرية ماهي إلا مشاريع خلود لأناس عاشوا قبلنا كوّنوا الدول والحكومات وصاغوا السياسة والرياضات والفن والتكنولوجيا.
ـ تعتبر فكرة مشروع الخلود من الأفكار السلبية وذلك لكونها على المستوى الجماعي مولدة للحروب والثورات وحالات القتل الجماعي، كتلك التي حدثت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحتى على المستوى الفردي فإن فشل الإنسان في تحقيق فكرة الخلود سيودي به إلى القلق والاكتئاب، ولكن لحسن الحظ هناك طريقة للتغلب على هده الفكرة وهي بكل بساطة استخدام فن اللامبالاة من خلال التركيز على الحاضر واللحظات الحالية.
💡تخلّص من أفكار مشروع الخلود فالموت حق على كل البشر وكل نفس ذائقة الموت، ولا استثناءات على هذه القاعدة.
لا تنسى أن تترك لنا تعليقاً بعد قراءتك للمقال!