الأهرامات المصرية تعد أعجوبة معمارية، لكن ما يجهله الكثيرون هو أن الأهرامات تعد تاريخاً عتيق لأقوام نعتبرهم تاريخاً سحيقاُ، وليس ذلك فحسب بل تمَ تشييد الأهرامات بينما كان الفيل الماموث لازال حياً في جزيرة رانجل الروسية .
وفي زمن كانت تفتقر فيه الشعوب لأبسط الأدوات والتقنيات، استطاعت ثلاثة أجيال من الفراعنة بناء ثلاث أهرامات ضخمة، و قاموا ببنائها بدقة متناهية تزن كلاً منها ثلاثين ألف ضعف للحوت الأزرق، وهو أكبر حيوان في تاريخ الأرض، فكيف بنى الفراعنة الأهرامات؟ هل فعلوها باستخدام قدرات خارقة للطبيعة كما يشاع أم أنها كانت علماً وتقنية؟
الأهرامات المصرية:
''خوفو، خفرع ، منقرع '' هي الأسماء الثلاثة التي تخطر في بالك عندما تذكر كلمة الأهرامات، لكنها ليست الوحيدة وهي حتماً ليست الأولى، بل هي نتاج سنين كثيرة من العلم والتجارب، فهناك ما يزيد عن مئتي هرم في منطقة النوبة والتي تقع حاضراً ضمن السودان، بنيت قديماً من قبل مملكة كوشة القديمة، وتتراوح الأهرام النوبية ما بين سبعة أمتار دفن بها ملوكهم، وحتى ثمانين سنتيمترا دفن بها رضيعهم، وليس ذلك فحسب بل هناك أكثر من مئة هرم لحضارة المايا في أمريكا الوسطى، وأهرام في اليونان والصين وغيرها، لكن يظل الفراعنة أول من بنى الأهرامات وانتشرت لاحقا، وهم من بنوا أفضلها التي مازالت شامخة إلى يومنا هذا.
لماذا اختاروا هذا الشكل ؟
في العصر الحالي، بإمكان البشر إنشاء مباني شاهقة باستخدام رافعات تحمل مواد البناء لارتفاعات لا يستطيع الانسان الوصول إليها، بينما تتصدى للرياح باستخدام تقنيات متعددة كتصاميم خاصة أو كاستخدام تقنية مانع ارتجاج الكتل مثل الكرة التي تزن سبعمائة وثمانين طناً والموجودة في برج تاي بي في تايوان وتقوم بامتصاص الاهتزازات الناشئة عن الرياح والزلازل .
كيف واجه الفراعنة هذه التحديات منذ آلاف السنين ؟
كان الحل يتضمن استخدام أحد أكثر الأشكال ثباتاً، والذي يتطلب مواد أقل كلما زاد ارتفاعه، فثلث الإرتفاع يستهلك ثلثي مواد البناء، بينما نصف الارتفاع يستهلك أكثر من ثمانين بالمئة من مواد البناء، بمعنى أن اختيارهم للشكل الهرمي لم يكن عشوائياً بل ليكون مبنى راسخ على مر الأزمان.
لماذا بذل الفراعنة هذا الجهد العظيم وتكبدوا وقاسوا كل هذه المشقات؟
الجواب قد يشكل مفاجأة، فمبتغاهم كان بحثاً عن الخلود، حيث اعتقد الفراعنة وآمنوا بوجود الحياة بعد الموت، ولأنها كانت امتداد لحياتهم وجزءا من أبدية أرواحهم ومن أجل وصولهم إلى حياتهم الأخروية كان يجب عليهم المحافظة على أجسادهم وعندها سيحتاجون على المحافظة على ممتلكاتهم الدنيوية، والتي ستدفن معهم ومن أجل الحفاظ عليها تبنى فوقها ما يسمى بالمصطبة، وهو يعني أي بناء ارتفع قليلا عن وجه الأرض، مصطبة الفرعون شبسكاف في عهد الفرعون جوسر.
الأوضاع السياسية:
كانت الأوضاع السياسية مستقرة، حيث تقدمت وتطورت أغلب العلوم آنذاك كالعلوم الهندسية والطبية وغيرها حيث أمر أشهر الشخصيات في عصره مستشاره الملكي المهندس والطبيب وعالم الفلك والشاعر وكبير البنائين ''إمحوتب ''حيث قام إمحوتب ببناء مجمع ضخم يتكون من العديد من المباني، كبيت الشمال وبيت الجنوب ومحكمة هيب سيد، وأخيراً الهرم المدرج والمكون من ست مصطبات ليكون أول هرم في تاريخ البشرية، وبعد عدة محاولات لاحقة لبناء هرم مثالي أمر الفرعون سنفرو ببناء هرم جديد وبناءاً على ما تعلموه المعماريين من تجاربهم السابقة، فقاموا ببناء أساس متين وأكبر مساحة، وقاموا بوضع الطوب بدقة متناهية، و بزاوية أقل حدة بانياً اليوم ما يسمى بالهرم الأحمر ثالث أكبر الأهرام المصرية بعد خوفو وخفرع .
هرم خوفو أعظم الأهرام:
قام الفرعون خوفو ابن الفرعون سنفرو بأخذ ما تعلمه من والده وأضاف لمسته الخاصة وقام ببناء هرماً فريداً من نوعه لينتج لنا ما سيعدّ لاحقاً أعظم ما بناه البشر، حيث ظل أعلى بناء في العالم لمدة تزيد عن 4000 عام، وذلك حتى عام 1311 م عندما تم بناء كاتدرائية لينكن لكنها انهارت ليعود الهرم إلى الصدارة حتى عام 1889م عندما اكتمل برج إيفل في باريس، وفي عهد الملك'' خفرع ''ابن الملك ''خوفو'' قام ببناء هرمه بجانب هرم والده وأضاف هو الآخر لمسته الخاصة أيضاً، فبدلا من تسوية قاعدة الهرم كاملة والتي تبلغ مساحتها خمسين ألف متر مربع، قام ببناء هرمه فوق تل وسوى ما تبقى خارجها، وعلى الرغم من أن الهرم أقصر من هرم أبيه بثلاثة أمتار، إلا أنه بني على أرض مرتفعة لذلك يبدو أعلى للوهلة الأولى.
كم استمر بناء الأهرامات بعدها؟
استمر بناء الأهرامات بعدها لحوالي السبعة قرون ومع مرور الوقت قلت جودة العمل وكفاءة البناء، والعديد منها لم يتبقى منها سوى الحطام، لذلك لم نسمع عنها شيئاً .
كيف بنوا الأهرامات؟
هناك أهراماً عديدة واستخدم لبنائها طرق عديدة، لكن التركيز سيكون على الأهرامات الثلاثة (خوفو، خفرع ، منقرع).
التركيبة المعمارية:
أساس الهرم مذهل بحد ذاته، وقاعدته مربعة الشكل ومستوية بشكل مثالي تقريباً باختلاف بسيط بين أضلاعه الشمالية والجنوبية، حيث يبلغ الاختلاف 4.4سم فقط، وميل في قاعدته لا يتجاوز ال 2 سم، وعلاوة على ذلك فإن قطره الشمالي الجنوبي قد تم محاذاته نحو الشمال الحقيقي للأرض، وبخطأ بسيط يبلغ درجتين وثمان وعشرين ثانية، كلها أرقام مذهلة للغاية عندما تدرك أن الأهرامات الفرعونية قد بنيت قبل 4500 عام،فنجم الشمال كان بموقع آخر تماماً آنذاك، ولم يكن قد تم اختراع البوصلة، إذاً كيف تم ذلك ؟
كيف تم تحديد الشمال بدقة؟
هناك العديد من الطرق لتحديد الشمال، والعديد من النظريات التي تتحدث عن نجم الشمال آنذاك (نجم الثعبان) أو استخدامهم لشروق أي نجم وغروبه في سماء الليل، ومن ثم تقسيم السماء إلى نصفين، لكن هناك الطريقة التي اقترحها غلين داش، وهي استخدام ما يعرف بالدائرة الهندية التي استخدمتها شعوب عديدة منذ القدم لتحديد الاتجاهات بدقة بالغة عند حلول الاعتدال الشمسي، وهو اليوم الذي يكون فيه الليل والنهار متساويان، فيشير الظل إلى الشرق والغرب بدقة بالغة، ونسبة الخطأ الناتجة عن هذه الطريقة مشابهة لما نتج عن بناء الفراعنة للأهرامات.
كيف تمكن الفراعنة من نقل كل هذه الصخور إلى موقع بناء الأهرامات مع الأخذ بالاعتبار حجمها الهائل؟
نعلم من دراسة الآثار المتبقية أن الفراعنة لم يستخدموا العجلة في نقل الصخور، حيث أن العجلة لم تكن مخترعة آنذاك، فالصعوبة كانت تكمن في اختراع محور فعال للعجلات لا بالجسم دائري الشكل.
كيف تم نقل الكتل الحجرية الضخمة؟
الدراسات أظهرت أنَ الفراعنة قاموا بنقل الكتل الحجرية الكبيرة باستخدام زلاجات خشبية ووضعهم لأخشاب عرضية على مسار الكتل الحجرية كان يقلل المقاومة ويسهل عملية النقل، لكن في دراسة قامت بها جامعة أمستردام عام2014م اكتشفوا أن مزج الرمل مع المياه بمقدار وكمية معينة يجعله زلقاً ويسهل الحركة بشكل كبير، وناهيك عن استخدامهم للماشية، فليس مستبعد استخدامهم للمواشي في انجاز عمليات النقل.
المدة الزمنية التي استغرقت لبناء هرم خوفو:
بتأكيد من الدراسات المتخصصة تم اكتشاف المدة الزمنية التي استغرقت لبناء هرم خوفو هي 20 عام، وبناء على دراسات حقيقية موثقة أن بإمكان 1000 إلى 1500 عامل ماهر انجاز العمل أي بناء الهرم بالمدة الزمنية المحددة التي هي 20 عام بالطرق السابق ذكرها .
المنحدرات الحلزونية:
لبناء الهرم و رفع الأحجار التي يتم نقلها لموقع البناء، قام الفراعنة ببناء منحدر حول الهرم حتى يتمكنوا من إيصال كل حجر إلى موضعه الصحيح، لكن للأسف لم تبق من المنحدر آثار تدلنا على شكل المنحدر التي استخدمه الفراعنة لنقل مواد البناء، فقام الباحثون بدراسة احتمالات عديدة لهذه المنحدرات، والعديد من الدراسات رجحت استخدام الفراعنة لمنحدر كبير وواسع بالأسفل، حيث يحتاج الهرم لغالبية مواد بنائه، بينما استخدموا منحدراً حلزونياً أعلى الهرم ليتمم ما تبقى من بناء الهرم، وهو النموذج الذي يرجحه معظم علماء الآثار .
ظهر حديثاً نموذج جديد مقترح من قبل جون بيير، يقول فيه بأن المنحدر الحلزوني قد تم انشاؤه داخل الهرم وبما أن الأهرامات محمية ولا يمكن تفحص ما يوجد بداخلها، قام العلماء بدراسة اختلاف كثافة الأجزاء الداخلية للهرم، ونتج لهم أن الأهرامات تحتوي بداخلها على منحدر حلزوني داخلي.
هل بنيت الأهرام من قبل العبيد؟
إن أحد المعلومات المغلوطة هي أن الأهرامات قد بنيت بواسطة العبيد، وهذا غير صحيح بل وحسب ما أثبتته الدراسات، فإن الفراعنة قد شيدوا مدن بكاملها حول الأهرامات للعمال المهرة وعوائلهم الذين يقومون ببناء الأهرامات، تحتوي هذه المدن على كل سبل العيش.
وبذلك نختزل نتيجة أن المجتمع المصري بكامله تكاتف وتعاون على تشييدها، وآمنوا أن نتاجهم سيكون من أعظم ما ستنتجه البشرية على مر العصور والأزمنة، وظاهرة لا مثيل لها .
لا تنسى أن تترك لنا تعليقاً بعد قراءتك للمقال!