تطور ثقافة الاستهلاك
تعريف ثقافة الاستهلاك:
يتم تعريف ثقافة الاستهلاك بأنها سلوك الفرد أو مجموعة من الأفراد، والدوافع والحدود المتعلقة بطريقة استهلاك الأشخاص للمواد والسلع.
فيما مضى كان مفهوم الاستهلاك يقتصر على الأشياء الأساسية مثل الطعام والثياب والمأوى، لكن مع مرور الوقت وتطور المجتمع فقد تغير مفهوم الاستهلاك ليصبح حاجة اجتماعية تبين هوية الفرد.
جذور ثقافة الاستهلاك الحديثة
إن بحثنا عن أسباب زيادة الاستهلاك في العصر الحديث لظهر لنا عنوان رئيسي يسمى الثروة الصناعية وهي التي سببت في تنوع المنتجات وزيادة إنتاجها.
أدى التطور التكنولوجي إلى تخفيف كلفة الإنتاج، مما سمح بجعل المنتجات المتنوعة بين أيدي المستهلكينمتى أرادوا وكيف ما أرادوا.
كما أن تطور وسائل الإعلام وطرق التسويق واستخدام الإعلانات جعل من الشخص يربط استهلاكه مع مكانته الاجتماعية، وهذا سمح بغرس ثقافة الاستهلاك في مجتمعاتنا.
دور الإعلام والتكنولوجيا
تلعب وسائل الإعلام الحديثة دورها الكبير في ترسيخ ثقافة الاستهلاك وذلك باستخدام عدة طرق منها:
المادة الإعلانية:
حيث يتم اختيارها بدقة لتؤثر على عاطفة المستهلك وتجعله يشعر بحاجته الملحة لهذا المنتج.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مرتعاً يقصده الأفراد لعرض حياتهم المثالية التي تقتصر على المشتريات، وهذا ما يوَّلد شعور الحاجة للشراء عند المتابع لمحاكاة النمط السابق.
كيف تؤثر ثقافة الاستهلاك على السلوكيات الشخصية؟
1. الاستهلاك المفرط:
إن ثقافة الاستهلاك مسؤولة بشكل مباشر عن ظاهرة الاستهلاك الذي يصل لحد المبالغة، فهناك فئة كبيرة تشتري أشياء لا تحتاجها لمجرد إشباع رغبة داخلية، أو رغبتهم بالانتماء إلى مجتمع معين.
هذه الظاهرة تسبب مخاطر على الفرد فهي تزيد الضغوط المالية بسبب تراكم الديون والضغوط النفسية لعدم الرضا والقناعة بقدرتنا على الشراء.
2. الشراء العاطفي:
سبب هذه الظاهرة كثرة الإعلانات التي تولد ضغط اجتماعي، فيلجأ الفرد لشراء منتج ما كرد فعل على شعور معين، مثلاً تتخلص النساء من الاكتئاب عند شراء منتجات جديدة وتعتبرها وسيلة مُجدية للهروب من المشاعر السلبية .
3. التأثير على القرارات المالية:
حيث نلاحظ زيادة في الإنفاق دون التفكير بالمستقبل ويصبح الفرد أقل اهتماماً بالادخار أو الاستثمار، وهذا ما يولد مشكلات اقتصادية مع مرور الوقت ليجد الفرد نفسه في أزمة مادية غير مخطط لها.
كيف تؤثر ثقافة الاستهلاك على العلاقات الاجتماعية؟
أولاً: استبدال اللقاءات الاجتماعية بالمشتريات:
أصبحنا نرى تواصل الأصدقاء والمقربين يعتمد على الأنشطة التي يمكنه من خلالها تحقيق رغبة الاستهلاك مثل التسوق، وهذا ما أثر على اللقاءات الاجتماعية التقليدية.
وهنا نرى سلبية الأمر عند تبخر الروابط الإنسانية واعتماد الأفراد على المشتريات والتسوق كوسيلة تواصل.
ثانياً: المقارنات الاجتماعية:
تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز ثقافة المقارنة، حيث يعرض الأفراد صور حياتهم المثالية المليئة بالمشتريات الجديدة.
إن هذا التباين في طريقة الاستهلاك ونوعية المواد المستهلكة يشعر الفئة المتابعة بقلة الحيلة وعدم الانصاف، هذه المشاعر تدفعهم إلى الشراء بطريقة عشوائية، وهنا نلاحظ تدهور العلاقات الاجتماعية بسبب انصياع الأفراد للتنافس على الاستهلاك.
ثالثاً: فقدان الثقة:
للأسف أن هذه الظاهرة منتشرة جداً كما يقول المثل العامي( يلي معو بيسوا ويلي ما معوا ما بيسوا)، حيث يعتقد الناس الفقراء أو ذو الدخل المحدود أن قيمة الشخص بما يملك من مال أو ما يستطيع أن يشتري، وهذا يخلق شعور عدم الثقة والرضا والتفكير الدائم بالأمور المادية.
ما هو تأثير الاستهلاك على الصحة النفسية؟
1. القلق والاكتئاب:
أغلب الناس يعانون من القلق وربما الاكتئاب بسبب مقارنة نفسهم مع الأخرين وما يملكونه هذا ما يؤدي إلى عدم الاقتناع وعدم الاكتفاء وحتى أنه يصل إلى مرحلة جلد الذات.
2. البحث عن السعادة:
ربما نظرة البعض للسعادة تكمن في الاستهلاك ولكن هناك دراسات وأبحاث كثيرة تؤكد عكس ذلك وتؤكد أن السعادة الحقيقية تكمن في تجارب الإنسان وعلاقاته الإنسانية مع المحيط.
3. الإدمان على التسوق:
ربما تتحول كثرة الاستهلاك إلى مرض نفسي يسمى الإدمان، حيث يعتاد الفرد على الشراء لأنه يخلصه من مشاعر معينة وهذا الأمر ينتج عنه مشاكل مادية وأمراض نفسية.
كيف يؤثر الاستهلاك على الاقتصاد؟
النمو الاقتصادي مقابل الأزمات الاقتصادية:
يساهم الاستهلاك في زيادة الطلب على المنتج في الأسواق وهذا بدوره يشجع النمو الاقتصادي أما الوجه الأخر للاستهلاك فهو يؤدي إلى أزمات اقتصادية وذلك بسبب كثرة الديون وصعوبة تعويض المال المصروف.
تأثير الاستهلاك على الأعمال:
يتم التأثير بشكل مباشر على المؤسسات عند زيادة نسبة الاستهلاك، حيث تسعى المؤسسة لزيادة انتاجها ليتناسب مع الطلب المتزايد، وهذا الضغط يؤثر على جودة المنتج.
الاستدامة والاقتصاد الدائري:
إن الديمومة من أهم القضايا التي ترتبط بثقافة الاستهلاك، يحتاج هذا النوع من الاقتصاد إلى عودة التفكير في طريقة الانتاج والاستهلاك للمنتج، هذا يؤدي إلى أثار جانبية أقل، وخصوصاً البيئية.
واستراتيجية الاقتصاد الدائري تركز على تخفيف نسبة النفايات والتركيز على زيادة فعالية الموارد.
كيف يتم التعامل مع ثقافة الاستهلاك؟
1. تعزيز الوعي الاستهلاكي:
للتخلص من التحديات التي تواجه ثقافة الاستهلاك علينا أن نغرس في المجتمع أهمية الوعي الاستهلاكي، يجب أن نعلم أن قرارنا في شراء منتج له تأثير كبير على البيئة وعلى المجتمع، علينا الاعتماد على أسلوب حياة بسيط أكثر ديمومة لنستطيع أن نخفف من الضغوط المترتبة على الاستهلاك المفرط.
2.إعادة تقييم الاحتياجات:
علينا أن نوجه استهلاكنا ونكون أكثر مسؤولية بحيث نرتب أولوياتنا والاهتمام بالحياة الاجتماعية بدلاً من الاهتمام بالقشور والماديات، اعتمادنا هذا المنهج يعيد لحياتنا التوازن بين حاجتنا للاستهلاك وبين رفاهيتنا.
3. تجنب الشراء العاطفي:
من أهم الخطوات التي يجب اتباعها الفصل بين عواطفنا وحالتنا النفسية وبين حاجة الاستهلاك، ليس هذا وحسب بل يجب أن تكون القرارات المتخذة لشراء أي منتج مدروسة وذلك لتجنب الشراء لمجرد رغبة ودوافع نفسية.
4. تعزيز العلاقات الاجتماعية:
ربما التركيز على علاقتك مع الأخرين وتمضية وقت معهم يخفف من تركيزك على الشراء وحسب. فالوجود وسط العائلة يزيدك سعادة وعندها لا داعي لأن يكون الاستهلاك مصدر سعادتك.
في نهاية المقال، نستنتج أن السؤال حول ما إذا كنا نعيش لنستهلك؟ يحتاج تحليلات عميقة و تفكير عميق، وبالأخص بعد استيعابنا لتأثير الاستهلاك في حياتنا الاجتماعية والنفسية والاقتصادية .
ربما إعادة هيكلة الأساسيات والأولويات تحقق لنا ذاك التوازن بين كثرة الاستهلاك وبين رفاهيتنا، فهل نحن نعيش لنشتري؟ أم نعيش لنبني ونكون؟!
اتوقع أن القرار بين أيديكن وفي تفكيركم السليم لتعيشوا حياة مستدامة بعيدة عن الضغوط الاستهلاكية.
لا تنسى أن تترك لنا تعليقاً بعد قراءتك للمقال!