لا يمكننا أن نتجاوز روائع الأدباء من أعمال ظلت ولاتزال شاهدة على الإبداع الإنساني وقوة الخيال الذي امتلكه الكائن البشري، والذي بدوره قام بتطويره على مر العصور، وإذا ما أردنا الاستشهاد على هذه الحقيقة، فيكفي أن نذكر بعضاً من هذه البطولات الأدبية وعمق الفكر الذي تميز به بعض الروائيين العالميين الذي جاء في مقدمتهم الكاتب العبقري باولو كويلو.
تعد رواية الخيميائي من روائع الأدب العالمي على الإطلاق، حيث لاقت اهتمام النقاد منذ اللحظة الأولى لنشرها، ومن ثم توالى الاهتمام بها لتترجم إلى 81 لغة، الأمر الذي جعل منها رواية مؤثرة وعملاً ضخماً دخل إلى موسوعة غينيس عن فئة الرواية الأكثر ترجمة للغات أخرى لكاتب على قيد الحياة، والأكثر مبيعا على الإطلاق من بين روايات كثيرة، فما هي أحداث هذه الرواية؟ وما هي الدروس والعبر المستفادة منها؟...لنتابع...
أحداث الرواية :
تدور أحداث الرواية حول راعي أغنام اسمه سانتياغو، في نهاية يومه عندما وصل مع أغنامه إلى ساحة كنيسة قديمة مهجورة وتحديداً تحت شجرة الجميز، كانت الأحلام تأخذ مساراً مختلفاً كلما سرقه النعاس تحت هذه الشجرة الكبيرة، فالحلم كان في كل مرة طفلاً صغيراً يخبره عن وجود كنز في سفح الأهرامات المصرية.
تحضيرات الرحلة:
بدأت فكرة تحقيق حلم الراعي الصغير ممكنة لاسيما أنه كان رافضاً لفكرة أن يصبح كاهناً كما أراد له والداه، قصد سانتياغو عجوزاً تدعي بأنها تفسر الأحلام والتي بدورها أكدت للراعي الصغير أن حلمه صحيح، وأن الكنز موجود بالفعل، وطلبت منه عشر الكنز في حال العثور عليه.
شرط العجوز مفسرة الأحلام:
وافق سانتياغو على طلب العجوز، وبدأت رحلة جديدة من التحديات المتمثلة في كيفية ذهابه في هذه الرحلة بكل ما تحمله من مخاوف وصعوبات، دخل الراعي الصغير في الكثير من المساءلات الذاتية حول إمكانية متابعته لرحلته والحصول على الكنز، أم أنه يجب عليه أن يبقى مع أغنامه دون اللجوء إلى المخاطرة للمجهول.
سانتياغو والملك:
ـ قابل سانتياغو الملك سالم، وجرى بينهما حوار تساءل فيها الراعي عن إمكانية تكلمه معه مع أنه ملك بكل جلاله، فكانت الإجابة غاية في الدهشة وأبلغه أن حلمه من الممكن أن يتحول إلى حقيقة إذا واصل المسير إليه دون الاستسلام لصعوبات الطريق، فالسعي يجب أن يكون دؤوباً وملائماً لجمال ولذة الوصول، اشترط الملك أن يأخذ عشر أغنام الراعي مقابل أن يدله على مكان الكنز، فقرر سانتياغو أن يوافق على شرط الملك وأن يتابع المسير نحو الكنز لتحقيق حلمه.
ـ في الخطوة التالية من رحلة الراعي الصغير باع أغنامه من أجل ركوب البحر والتوجه نحو القارة الإفريقية، لتواجهه الكثير من الصعوبات الكبيرة التي ستكسر الكثير من وردية أحلامه على صخرة الواقع، إذ سيتعرض للسرقة ويفقد المال الذي ادخره من ثمن أغنامه وتبدأ رحلة جديدة من الندم حول القرار الذي ظن أنه سيكون الحلم الذي يعيش من أجل تحقيقه.
العبرة رقم1
إن الفكرة تكمن في أن حياة الإنسان تبدأ بكونها حلماً جميلاً يرغب بتحقيقه، ومن الواجب على الإنسان أن يرضخ للتضحيات ويتحلى بالصمود رغم كل الصعوبات، فالأحلام قد تتحول إلى سراب لو لم يكن لدى الإنسان العزيمة على مواصلة الطريق.
صعوبات الطريق التي عانى منها الراعي الصغير:
لم تكن رحلة البحث على الكنز رحلة ممزوجة بالمتعة والفرح أو حتى ذات طابع سياحي، بل كانت تجربة محفوفة بالمخاطر خاصة بعد أن خسر سانتياغو ماله ومشاعر الخسارة التي ظلت ترافقه كل الوقت وتجعله يشعر بأن حلمه من الممكن أن يندثر في أي لحظة، وفكر الراعي الصغير في جدية الرجوع إلى موطنه وأغنامه والتخلي عن حلمه الموعود.
هل استسلم سانتياغو؟
بدأ سانتياغو بالعمل عند تاجر كريستال لمدة عام، وعندما حصل على المال المطلوب الذي سيمكنه من الرجوع إلى موطنه أحس أن رغبته بمواصلة الطريق لحلمه غدت أكبر من البداية، بل أصبح يشعر بأن المتابعة هو غاية لوجوده، ولجأ لقافلة من أجل عبور الصحراء مع رحالتها، وقرر اتباع حدثه وقلبه اللذان كانا يؤكدان له على الدوام أن حلمه يستحق كل هذا العناء.
القافلة والخيميائي:
ـ ظلت القافلة تعبر الصحراء لأيام وأيام إلى أن توقفت عند واحة من أجل الراحة من تعب السفر، وفي فترة وقوف القافلة التقى سانتياغو بفتاة أحبها من النظرة الأولى، وسقط بشباك حبها كانت الفتاة تدعى فاطمة، توطدت علاقة سانتياغو بفاطمة إلى أن طلب منها الزواج لتوافق فاطمة على الفور، واشترطت على سانتياغو أن يكون الزواج بعد عودته وحصوله على الكنز، كما أنها وعدته بأن تبقى وفية له لحين عودته.
ـ تعرف سانتياغو في أثناء رحلته على رجل إنكليزي يريد تحقيق حلمه أيضاً، وكان حلم هذا الرجل متمثلاً في أن يكون خيميائياً، والخيميائي هو ذاك الشخص الذي يحول المعادن غير النفيسة إلى ذهب وفضة باستخدام الكيمياء، لتبدأ هنا تجربة جديدة ورحلة من نوع آخر، فمثل الخيميائي دور رجل العلم صاحب الكثير من التجارب في الحياة وكانت شخصيته تشبه إلى درجة كبيرة الملك سالم.
العبرة رقم 2:
إن العالم مليء بالمآسي والصعوبات وعلى الإنسان أن يكون مدركاً لحقيقته في هذا الكون، والخيميائي نموذج لمدركي أسرار هذا الكون، وعلى الإنسان أن يقتضي بتجربة سانتياغو مع الخيميائي.
نهاية الرحلة… هل حصل سانتياغو على مراده؟
ـ واصل سانتياغو رحلته بالبحث عن الكنز، تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر والصعاب التي تصقل شخصيته وتجعله مهيأ لحياة جديدة عنوانها الصمود والتضحية في سبيل تحقيق الغايات.
ـ كان سانتياغو فرحاً تعلو محياه علامات السعادة، فهو قد وصل إلى موقع الكنز الموعود وبدأ بالحفر والتنقيب عن كنزه، لكن قبل أن يبلغ مراده حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث تعرض سانتياغو لعصابة وسلبوه كل ما لديه و وأجبروه أن يحفر أكثر ليكتشفوا في النهاية أنه لا وجود للكنز في ذلك المكان، أخبر أحد أفراد هذه العصابة أنه كان قد حلم بوجود كنز في ساحة إحدى الكنائس المهجورة في اسبانيا، فتذكر سانتياغو على الفور المكان الذي كان يرتاح به من مشقة رعاية الأغنام، وأنه ذات المكان الذي كان يراوده به الحلم وتحديداً تحت شجرة الجميز الكبيرة.
ـ استشعر سانتياغو بأن جملة اللص الساخرة كانت إشارة إلى موقع الكنز الحقيقي، وبالفعل عاد الراعي أدراجه إلى تحت الشجرة الكبيرة في ساحة الكنيسة المهجورة وبدأ بالتنقيب تحتها ليجد صندوقاً مليئاً بالعملات الذهبية الثمينة، وعلى الفور انطلق إلى الواحة ليقابل محبوبته فاطمة التي كانت بانتظاره.
العبرة رقم3:
إن ملاحقتنا لأحلامنا والتمسك بها للنهاية توصلنا في نهاية المطاف إلى تحقيقها، فالكنز الحقيقي موجود بين طيات العذاب والصعوبات في الطريق الذي يوصلنا لوجهتنا، أما الوجهة فهي مكافأة على صبرنا وإيماننا بأننا سنصل...
ودمتم بألف خير.
لا تنسى أن تترك لنا تعليقاً بعد قراءتك للمقال!